سورة الجمعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجمعة)


        


{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)}
بسْم الله الرحمن الرَّحيم {يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الارض} تسبيحًا متجددًا على سبيل الاستمرار {الملك القدوس العزيز الحكيم} صفات للاسم الجليل، وقد تقدم معناها، وقرأ أبو وائل، ومسلمة بن محارب، ورؤبة، وأبو الدينار، والأعرابي برفعها على المدح، وحسن ذلك الفصل الذي فيه نوع طول بين الصفة والموصوف، وجاء كذلك عن يعقوب، وقرأ أبو الدينار، وزيد بن علي {القدوس} بفتح القاف.


{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}
{هُوَ الذى بَعَثَ فِى الاميين} يعني سبحانه العرب لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرأون.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» وأريد بذلك أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى، فالأمي نسبة إلى الأم التي ولدته، وقيل: نسبة إلى أمة العرب، وقيل: إلى أم القرى، والأولى أشهر، واقتصر بعضهم في تفسيره على أنه الذي لا يكتب، والكتابة على ما قيل: بدئت بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وهم من أهل الأنبار، وقرئ الأمين بحذف ياء النسب {رَسُولًا مّنْهُمْ} أي كائنًا من جملتهم، فمن تبعيضية، والبعضية: إما باعتبار الجنس فلا تدل على أنه عليه الصلاة والسلام أمي، أو باعتبار الخاصة المشتركة في الأكثر فتدل، واختار هذا جمع، فالمعنى رسولًا من جملتهم أميًا مثلهم {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياته} مع كونه أميًا مثلهم لم يعهد منه قراءة ولا تعلم {وَيُزَكّيهِمْ} عطف على {يَتْلُو} فهو صفة أيضًا لرسولًا أي يحملهم على ما يصيرون به أزكياء طاهرين من خبائث العقائد والأعمال.
{وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} صفة أيضًا لرسولًا مترتبة في الوجود على التلاوة. وإنما وسط بينهم التزكية التي هي عبارة عن تكميل النفس بحسب قوتها العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلًا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر، ولو روعي ترتيب الوجود لرا يتبادل إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة كما في سورة البقرة، وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات؛ وأخرى بالكتاب والحكمة رمزًا إلى أنه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة. ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما في تضاعيف الأحاديث النبوية من الأحكام والشرائع قاله بعض الأجلة، وجوز كون {الكتاب والحكمة} كناية عن جميع النقليات والعقليات كالسماوات والأرض بجميع الموجودات. والأنصار والمهاجرين بجميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وفيه من الدلالة على مزيد علمه صلى الله عليه وسلم ما فيه؛ ولو لم يكن له عليه الصلاة والسلام سوى ذلك معجزة لكفاه كما أشار إليه البوصيري بقوله:
كفاك بالعلم في الأمي معجزة *** في الجاهلية والتأديب في اليتم
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضلال مُّبِينٍ} من الشرك وخبث الجاهلية، وهو بيان لشدة افتقارهم إلى من يرشدهم وإن كان نسبة الضلال إليهم باعتبار الأكثر إذ منهم مهتد كورقة وأضرابه، وفي الكلام إزاحة لما عسى أن يتوهم من تعلمه عليه الصلاة والسلام من الغير {وَأَنْ} هي المخففة واللام هي الفارقة.


{وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)}
{وَءاخَرِينَ} جمع آخر عنى الغير، وهو عطف على {الاميين} [الجمعة: 2] أي وفي آخرين {مِنْهُمْ} أي من الأميين، ومن للتبيين {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم} أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون، وهو الذين جاءوا بعد الصحابة إلى يوم الدين؛ وجوز أن يكون عطفًا على المنصوب في {وَيُعَلّمُهُمُ} [الجمعة: 2] أي ويعلمهم ويعلم آخرين فإن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستندًا إلى أوله فكأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تولى كل ما وجد منه واستظهر الأول، والمذكور في الآية قوله صلى الله عليه وسلم، وجنس الذين بعث فيهم، وأما المبعوث إليهم فلم يتعرض له فيها نفيًا أو إثباتًا، وقد تعرض لإثباته في آياته أخر، وخصوص القوم لا ينافي عموم ذلك فلا إشكال في تخصيص الآخرين بكونهم من الأميين أي العرب في النسب، وقيل: المراد من الأميين في الأمية فيشمل العجم، وبهم فسره مجاهد كما رواه عنه ابن جرير. وغيره وتعقب بأن العجم لم يكونوا أميين.
وقيل: المراد منهم في كونهم منسوبين إلى أمة مطلقًا لا في كونهم لا يقرأون ولا يكتبون، وهو كما ترى إلا أنه لا يشكل عليه وكذا على ما قبله ما أخرجه البخاري. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن أبي هريرة قال: «كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ {وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} قال له رجل: يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فوضع يده على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وقال: والذي نفسي بيده لو كان الايمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء» فإنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنهم فارس، ومن المعلوم أنهم ليسوا من الأميين المراد بهم العرب في النسب.
وقال بعض أهل العلم: المراد بالأميين مقابل أهل الكتاب لعدم اعتناء أكثرهم بالقراءة والكتابة لعدم كتاب لهم سماوي تدعوهم معرفته إلى ذلك فيشمل الفرس إذ لا كتاب لهم كالعرب، وعلى ذلك يخرج ما أشار إليه الحديث من تفسير الآخرين بالفرس وهو مع ذلك من باب التمثيل، والاقتصار على بعض الأنواع بناءًا على أن بعض الأمم لا كتاب لهم أيضًا، ورا يقال: إن من في {مِنْهُمْ} اسمية عنى بعض مبتدأ كما قيل في قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ} [البقرة: 8] وضمير الجمع لآخرين وجملة {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} خبر فيشمل آخرين، طوائف الناس الذين يلحقون إلى يوم القيامة من العرب والروم والعجم وغيرهم؛ وبذلك فسره الضحاك. وابن حيان. ومجاهد في رواية، ويكون الحديث من باب الاقتصار والتمثيل كقول ابن عمر: هم أهل اليمن، وابن جبير هم الروم والعجم فتدبر.
وزعم بعضهم أن المراد بقوله تعالى: {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} أنهم لم يلحقوا بهم في الفضل لفضل الصحابة على التابعين ومن بعدهم، وفيه أن {لَّمًّا} منفيها مستمر إلى الحال ويتوقع وقوعه بعده فتفيد أن لحوق التابعين ومن بعدهم في الفضل للصحابة متوقع الوقوع مع أنه ليس كذلك، وقد صرحوا أنه لا يبلغ تابعي وإن جل قدرًا في الفضل مرتبة صحابي وإن لم يكن من كبار الصحابة، وقد سئل عبد الله بن المبارك عن معاوية. وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ فقال: الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية أفضل عند الله من مائة عمر بن عبد العزيز فقد صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] إلخ فقال معاوية: آمين، واستدل على عدم اللحوق بما صح من قوله عليه الصلاة والسلام فيهم: «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» على القول بأن الخطاب لسائر الأمة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخر» فمبالغة في خيريتهم كقول القائل في ثوب حسن البطانة: لا يدري ظهارته خير أم بطانته.

1 | 2 | 3 | 4